على الرغم من الانفجار المعرفي الذي يشهده العالم اليوم، إلا أننا نستغرب انحدار الثقافة العامة لدى شباب المسلمين، فضلا عن الثقافة الدينية التي هي أساس المنهج الحياتي لكل فرد مسلم .
ففي دراسة أجريت على أطفال العرب كانت نتيجتها أن الطفل العربي يقرأ فيما يقارب الست دقائق سنويا خارج الكتاب المدرسي، وفي تقرير تلفزيوني سئل مجموعة من الشباب بعض الأسئلة الثقافية من ضمنها:
متى ضمت الدول العربية دولة إيران؟ فكان التفنن في الجواب مضحك مبكي في الوقت نفسه، حيث لم يجب أحدهم بغير أرقام تخمينية ابتدأت من نكسة حزيران وانتهاء بـسنة 2000 م, ولم يذكر أحدهم أن إيران ليست دولة عربية أصلا، وهذا يجعلنا نشعر بمدى التدهور المعرفي الذي تشهده بعض عقول شباب اليوم.
نتيجة متوقعة وليست بمستغربة طالما أن الشاب في هذا الوقت لا يهمه سوى مطاردة الكرة بعقله وقدمه معا, والانكباب على مقاطع الفيديو الهابطة التي ليس لها نتاج سوى تدهور أخلاقي يزداد يوماً بعد يومٍ.
أما في استخدام التقنية بشكل عام فحدث ولا حرج من سوء استخدامها أو هبوطها بالمعنى الصحيح, والوقت يضيع بالجملة.
وحتى تقيس ثقافة الشباب العربي اليوم ما عليك سوى أن تقرأ أي تعليق أدرج في أي مقطع كان على اليوتيوب او الفيس بوك او اي موقع اجتماعي لترى نوعا من الانحدار الفكري الذي يندى له الجبين.
من هنا نطالب المؤسسات الإسلامية أن تنهض بالفكر، من خلال البرامج التثقيفية الهادفة إلى إعمال العقل وغرس قضايا الأمة المهمة في مفاهيم شبابنا من خلال الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، بالإضافة إلى الدورات المتنوعة, ولا ننسى دور الأسرة في تخصيص وقت لتعليم فئة الشباب معنى الهوية الإسلامية؛ مما يجعلهم يستطيعون الصمود أمام الثقافات غير المسلمة بمعرفة الإيجابي منها واستخدامه استخداماً سليماً، وطرح السلبي جانباً.
القرآن الكريم يهاجم التبعية غير الواعية، والهدي النبوي يعلمنا أن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها, وحتى يكون هم شباب الأمّة ساميا راقيا بنَّاءً، يتحتم علينا أن نعرف حال سلفنا الصالح كيف كان؟ وكيف كانت سيَرهم مشرقة زاهية يشهد بها تاريخنا الزاخر.
فقد كان المقياس آنذاك لمدى نبوغ أحدهم في صغره وحين يكبر براعته في أكثر من فن من فنون العلم الديني، كابن تيميّة الذي ملأ الدنيا علما بحفاظه على وقته، وانكبابه على القراءة والمطالعة، وإلا لما ذاع صيته حتى وصل إلينا اليوم, ولنا في الإمام أحمد خير أسوة، فقد قال عنه أحدهم: "والله ما رأيته إلا مبتسما أو قارئا أو مطالعا"، ويقول غيره عن الخطيب البغدادي: "ما رأيت الخطيب إلا وفي يده كتاب يطالعه".
كيف نأمل من شبابنا أن يأخذوا من سلفنا قدوة؟ ومتوسط أوقاتهم المهدرة سنويا فيما يقارب 1440 ساعة على المواقع غير اللائقة أو الرياضية!
هذا الصورة ليست لجميع الشباب المسلم بل لفئة منهم؛ لأننا نجد بفضل من الله جل وعلا أنموذج تبتهج له النفس ويسعد به القلب، ولكن هذا ليس بكاف للنهوض بالأمة الإسلامية وقد حددت فئة الشباب؛ لأنهم عماد الأمة، ومن أهم لبِنات المجتمع وقوامه ونهضته فالاشتغال من قبلهم بغير المهم مضرة بالمهم.
لها اون لاين