(1)
كثيرٌ من الآباء والأمهات لا يعرفون –في الغالب- شيئاً عن الكمبيوتر وبرامجه.. ولا عن الانترنت ودروبها.. ويستغلّ بعض الأبناء هذه السانحة.. فيوهمون آبائهم.. وأحياناً أمهاتهم اللاتي ولدنهم.. بأنهم يستفيدون من التقنيات الحديثة.. وأنها ستوسع مداركهم.. وتربطهم بالعالم الخارجي.. وتجعلهم مواكبين للإنفتاح الحُر.. ومعاصرين للتطورات الحديثة.. التي تنبثق من العالم السرمدي الجميل… إلخ. وكلام كثير من هذا القبيل.! ذلك في حين أن مُعظم هذه التقنيات تُشكّل للطالب ملهاة وعبث لا أكثر.. ولا أقل.!
إذا قال لك طالب في مرحلة الأساس أو الثانوي أنه يستفيد من الكمبيوتر في مذاكرة دروسه المدرسية.. فأعلم أنه ليس كذلك.. التقيُّ منهم قد يفعل قليلاً… ولكنه أثناء ذلك يعرج على الألعاب من باب التنفيس عن ضيق الواجبات.. فيمكث فيها ما شاء أن يمكث.. ثم يذاكر القليل.. وحتى أثناء المذاكرة يكون جزء كبير من تفكيره ينصرف إلى اللعب.. ثم مرة أخرى يفتح الإنترنت.. يسرح فيه ساعة أو ساعتين بحجة الترفيه عن نفسه.. ثم بعدها يذاكر سطرين أو ثلاثة بالكثير.. ذلك ليمحو عقدة الذنب بضياع الزمن.. وليقنع نفسه بأنه ذاكر.. ويجد نفسه نهاية اليوم ذاكر نصف ساعة.. ولعب ورفّه عن نفسه خمس ساعات..! ثم يكتشف ولكن بعد فوات الأوان- أي بعد ظهور النتائج- يكتشف أنه كان يذاكر ليلعب أو يلعب ليذاكر.. ولا يستبين النصح إلا ضحى الغدِ.!
(2)
وبما أنك عزيزي الأب والأم (ما جايبين خبر).. وعلى حسن نياتكم.. قد تجدوا أن ابنكم الكريم يفتح الكمبيوتر يبحلق في شاشته بتركيز كبير.. ومندمج في لعبة (سباق سيارات).. يطير بسيارته بسرعة جنونية.. يصطدم بعربات الشرطة.. ويدهس المواطنين الافتراضيين السائرين في الشاشة بأمان.. ولا يعرفون أن خلفهم سائق أهوج.. وتجد الدماء تسيل على جانبي الطريق بغزارة.. وهو لا يبالي بهم.. قد تضبطه بهذه الحالة.. ثم يلتفت إليك بثقة.. ويحاول أن يقنعك بعد ذلك كله بأنه الآن يذاكر بعض دروس الفيزياء.. ويريد أن يتأكد هل فعلاً السرعة تساوي المسافة على الزمن؟.!
(3)
أذكر أن أحد أقاربي البعيدين عن مجريات العولمة.. طلب منه ابنه (ممتحن للشهادة السودانية) طلب منه أن يشتري له جهاز كمبيوتر ليدخل به (الفيسبوك).. الولد أقنعه والده بأن ( الفيسبوك) هذا مُفيد للعقل.. وينمي المواهب.. ويوسّع المدارك والأفق.! والأب طبعاً لا يعلم أن (الفيسبوك) هذا ما هو إلا عبارة عن مجموعة من الشباب يتونسون ويدردشون في مواضيع كثيرة ليست من بينها مذاكرة المواد غالباً.!
استجاب الأب لطلب ابنه الملحاح.. اشترى له جهاز كمبيوتر موصل بالانترنت طوال اليوم.. وكان يطلّ عليه بين الحين والآخر ليطمئن على مذاكرته.. يجده يُحملق على الشاشة راسماً على وجهه جدية.. من يراه يظنّ أنه سيشطر الذرة قبل أن يقوم من مقامه.. كان الولد يدردش مع أصحابه في عدة فارغات.. ولكن الأب لا يعرف ما على شاشة الحاسوب.. ويعتقد أن ابنه –ما شاء الله عليه- مجتهد ويذاكر بالكمبيوتر!.
صار الولد يجلس أمام شاشة حاسوبه بالساعات الطوال.. ينادونه لوجبة الغداء.. فيعتذر بأنه مشغول.. (وعندو فيسبوك)… كان يجلس في (الفيسبوك) طويلاً وأهله الذين لا يعلمون أنه يضيع زمنه في العبث.. يحسبونه يذاكر مقرراته.. وما هو بذلك.. وحتى إذا نادوه لمرسال قريب.. يجيبهم بضيق:
- ما بقدر أمشي الدكان.. عندي فيسبوك.!!
النتيجة أنه سقط في الامتحان سقوطاً شنيعاً.. والسبب هو (الفيسبوك).. الذي هو سبب سقوط معظم من سقط في إمتحانات هذا العام.. والذي سبقه.. والذي يليه بإذن الله.!!
(4)
المحصلة مما سبق أن الطالبة أو الطالب من الصف الأول للأساس وحتى الثالث من الثانوي خيرٌ له أن يراجع دروسه من الكتب الورقية.. وليس من الحاسوب.. لأن الكمبيوتر عموماً.. اللهو فيه أكثر وأقرب من الجدّ.. خاصة إذا توفر لتلميذ أو طالب بلا رقابة أبوية عليه.. وإذا وضعت ابنك المراهق في غرفة مغلقة مع جهاز حاسوب موصل بالانترنت.. فلا تلومنّ إلا نفسك.. فأنت قد وضعت كل المفاسد بين يديه.!
صحيح أن بعض بلاد العرب النفطية الغنية بدأت الآن تطبق نظام المقررات المكتوبة على أسطوانات الليزر.. بدلاً عن كتب الورق.. وكل طالب لديه جهاز حاسوب خاصته.. يدرس فيه كل مواده الدراسية.. ومنهم من يسخّره للعلم لا للعبث.. ولكننا لسنا بلاد نفط غنية.. ثم لسنا بعرب.!!!
(5)
بصفتك أم أو أب للطفل حاول أن تبدأ في أخذ بعض الدروس البسيطة لتعرف مبادئ التعامل مع الحاسوب لتعرف ماذا يفعل الأبناء فيه.. وأطلب منه أن يعلمك هو بنفسه.. حتى تمحو أميتك التقنية.. وحتى لا يخدعك بقوله:
- أبوي.. جيب عشرين جنيه سريع.. نجيب اسطوانة (سان أندرس).. و(فاي سيتي) عندنا فيها امتحان (نيد فور اسبيد) بُكرة.!!
وللعلم أن (نيد فور اسبيد) و(فاي سيتي) و(سان أندرس) هذه ألعاب حاسوب تأكل الزمن كما تأكل النار الخشب.. وأؤكد لك بلا دراسة أو استطلاع أنها سبب رسوب سبعين بالمائة من الطلاب الذين يملكون أجهزة حاسوب.. أو حتى الذين يذهبون لمقاهي الإنترنت.. و(سان) هذا لا ينفع كقدوة صالحة بتاتاً.. فهو (لص سيارات).. وقاتل محترف.!!